- وأمّا آداب المستفتي: فإنّ من أهمّها وأنفعها له، وأولاها بالأخذ عند استفتائه وسؤاله؛ هي:
أوّلاً: أن يتأدّب مع المفتي ويبجّله في خطابه وجوابه، ولا يومئ بيده في وجهه، ولا يقل له: ما مذهبك؟ أو ليس هكذا تقول الفقهاء؟! أو نحو ذلك(10).
ثانياً: أن يبحث عن أهلية من يستفتيه إذا لم يكن عارفاً بأهليته؛ فلا يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم، وانتصب للتدريس والإقراء وغير ذلك من مناصب العلماء، بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك(11).
ثالثاً: أن لا يسأله وهو على حالة ضجر، أو همٍّ، أو غضب، أو غير ذلك ممّا يشغل القلب، ويحول بينه وبين التّأمّل؛ فإنّ هذه الأحوال لا ينبغي أن يكون فيها استفتاء ولا إفتاء(12).
رابعاً: أن لا يغفل ولا يدع الدعاء لمن يستفتيه؛ خاصّة إذا كان ذلك في كتاب؛ كأن يقول: ما تقول رحمك الله؟ أو وفقّك الله، وسدّدك، ورضي عن والديك؟، وإن كانوا جماعة قال: ما تقولون رضي الله عنكم ؟ أو ما تقول الفقهاء سدّدهم الله تعالى؟ ونحو ذلك(13).
خامساً: أنّه ينبغي له عند اختلاف المفتين في المسألة الواحدة: أن يلزم أعلمهم وأوثقهم عنده -على الأظهر-؛ فيأخذ بقوله ويقلّده؛ كما يجب تقديم أرجح الدّليلين، وأوثق الرّوايتين(14).
سادساً: لا يجوز للمستفتي العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه إليها، وكان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه به، ولا تخلّصه فتوى المفتي من الله كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال r : «فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» (متفق عليه). وعلى المستفتي أن يسأل ثانيًا وثالثًا حتّى تحصل له الطمأنينة(15).
سابعاً: ينبغي للمستفتي أن يتولّى الاستفتاء بنفسه، ويجوز له أن يبعث ثقةً يعتمد خبره ليستفتى له(16)
والله أعلم، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله، وصحبه، وسلّم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص/438)، ومن طريقه ابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي (1/
.
(2) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (1/23) لابن فرحون المالكي.
(3) رواه أبو خيثمة في العلم (ح21)، وابن المبارك في الزهد (ح58)، والدارمي في السنن (1/65).
(4) رواه الآجرّي في أخلاق العلماء (ح102)، والبيهقي في المدخل (ص/436)، وابن عبد البر في الجامع (2/54).
(5) انظر: المجموع شرح المهذب (1/46) للنّووي.
(6) رواه البيهقي في المدخل(ص/434). وذكر ابن الصلاح في أدب المفتي (1/10) أنّه روي مثله عن الحسن والشعبي.
(7) رواه الخلاّل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ح172)، وابن عبد البر في الجامع (2/91-92).
(
انظر: المجموع (1/47).
(9) انظر: أدب المفتي (1/76، 82)، المجموع (1/49، 52).
(10) انظر: أدب المفتي (1/91)، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان (ص/83).
(11) انظر: المجموع (1/54) للنّووي.
(12) انظر: أدب المفتي (1/48،91)، صفة الفتوى (ص/83)، المجموع (1/46).
(13) انظر: المجموع (1/57).
(14) انظر: أدب المفتي (1/87)، صفة الفتوى (ص/70).
(15) انظر: إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين (4/254) لابن القيّم.
(16) انظر: المجموع (1/57).